ولهذا يقول الشيخ رحمه الله: (الأخبار قسمان: متواتر وآحاد، فالمتواتر وإن كان قطعي السند لكنه غير قطعي الدلالة؛ فإن الدلالة اللفظية لا تفيد اليقين) أي: أن الألفاظ لا تفيد اليقين، وهذا من أغرب الأقوال، أي القول بأن الدلالة اللفظية لا تفيد اليقين، وإنما يفيدها القضايا العقلية المجردة؛ وذلك لأنهم يقولون: لأن الكلمة تحتمل احتمالات، فتحتمل من ناحية الوضع، هل وضعت الكلمة لهذا أم لا؟ فمثلاً: كلمة: اليد، يقولون: ليس هناك دليل قاطع على أن اليد التي في القرآن تعني أن نثبت لله تبارك وتعالى يداً على الحقيقة؛ لأنه لابد أن نعلم: هل واضع اللغة أراد باليد الشيء الحقيقي أو أراد أشياء أخرى؟ ونحتمل أيضاً إرادة المتكلم، فربما قال المتكلم: اليد ويريد شيئاً آخر غير الحقيقة، كأن يريد المجاز كما يزعمون، وكذلك معرفة الاشتراك والإضمار والمجاز والتخصيص والتقديم والتأخير، ويذكرون عشرة أمور أو عقبات جعلوها حتى لا تدل الألفاظ على المعاني، وهذا من أبطل الباطل، إذ معنى هذا أن تصبح نصوص القرآن والسنة مجرد رسوم، فلا تدل على شيء، والنبي صلى الله عليه وسلم علمها وعلّمها أصحابه، وعلمها أصحابه التابعين، وكلهم -والحمد لله- فقهوا معانيها ظاهراً وباطناً، قولاً وعملاً، وليس هذا من شأن العرب فضلاً عن أن يكون من شأن أذكى العرب، وأفهم العرب، وأعظم الناس إيماناً وفقهاً وعلماً، وأكملهم عقولاً ورأياً وفطنة، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا أصلاً قدح في اللغة العربية وفي كل لغة، ولهذا قال رحمه الله: (وبهذا قدحوا في دلالة القرآن على الصفات. قالوا: والآحاد لا تفيد العلم، فسدوا على القلوب معرفة الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحالوا الناس على قضايا وهمية ومقدمات خيالية، سموها عقلية وبراهين نقلية وهي في التحقيق: (( كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً ))[النور:39]) إلى آخر الآيات كما هو منقول هنا.